هل تخرج أمدرمان للملأ مبتسمة في ثوب العرس؟

الفاتح ابراهيم

جولة شعرية في حب الوطن
وهل تخرج أمدرمان للملأ مبتسمة في ثوب العرس؟
الشاعر الفذ نزار قباني وهو محب للسودان وشعبه قال متأثرا بالحفاوة والفهم والتقديرلفنه الذي قوبل به خلال زياراته للسودان قال:
“في السودان إما أن تكون شاعرا أو أن تكون عاطلا عن العمل” ..
بعيدا عن حماقات الحرب وتدميرها للبلاد وتشريدها للعباد لجأت إلى واحة الكلمة والشعر والفن .. بدأت برائعة الشاعر توفيق صالح جبريل كسلا التي نفض عنها التراب الكابلي وانتشلها من براثن النسيان واوراق الديوان ليخلدها لحنا وصوتا اشاع الطرب والبشر في أرجاء السودان .. هي احدى درر إخوانيات الشاعر السوداني توفيق صالح جبريل التي وصف فيها جلسة أُ مع مجموعة من الأصدقاء على ضفاف نهر القاش في مدينة كسلا حاضرة الإقليم الشرقي قال فيها:
 
 
نضر الله وجه ذاك الساقي
إنه بالرحيق حل وثاقي
فتراءى الجمال مزدوج الاشراق يسبي معدد الآفاق
و ابنة القاش إن سرى الطيف
وهنا واعتلى هائما فكيف لحاقي
والمنى بين خصرها ويديها
والسنا في ابتسامها البراق
كسلا أشرقت بها شمس وجدي
فهي في الحق جنة الإشراق
كان صبحا طلق المحيا نديا
إذ حللنا حديقة العشاق
نغم الساقيات حرك اشجاني
وهاج الهوى أنين السواقي
بين صب في حبه متلاش
وحبيب مستغرق في عناق
ظلت الغيد والقوارير صرعى
والأباريق بتن في اطراق
ائتني بالصبوح يا بهجة الروح
ترحني ان كان في الكاس باق

والقصيدة تعتبر من شعر الذكريات والإخوانيات التي اشتهر بها  وبرع في التعبير عنها شاعرنا توفيق ضالح جبريل ..
أما الفنان متعدد المواهب الكابلي فقد صاغ لها لحنا شنف الآذان ونفذ في وجدان كل من يتذوق الابداع في أعلى أشكاله .. له الرحمة لقد كان بحق يجسد جمال ذلك الزمان ويعبر عنة كلمة ولحنا في سودان قد يبدو الآن بعيد المنال .. وبعد أن ضاق به المكان في وطن النجوم اضطر كابلي إلى المغادرة إلى بلاد العم سام حيث وافته المنية ..    وما أقسى الأغتراب لفنان في مستوى حساسية ونبل الكابلي .. كان يسكن غير بعيد مني في ولاية فرجينيا .. كان وجوده يبعث الطمأنينة والأمل أن كل شيء سوف يكون على ما يرام وأنه عندما تشرق شمس الغد سيعود الوطن معافى مهما طال أمد الحرب وتعمقت الجراح ولن نستسلم ولن نتناسى فنكون في ما عبر عنه المتنبي شاعره المفضل “طويل الجرح يغري بالتناسي” ..


ثم انتقلت الى العميد أحمد المصطفى وكلمات الشاعر المطبوع عبد المنعم عبد الحي في أغنية “أنا أمدرمان” وأمدرمان العاصمة الوطنية التي ترمز هنا الى السودان الزاخر بإمكاناته البشرية وثرواته الطبيعية المنتوعة يقول في ختام القصيدة:
أنا امدرمان مضى أمسي بنحسي
غدا وفتاى يحطم قيد حبسي
واخرج للملاء في ثوب عرسي
وابسم بعدما قد طال عبسي
وأعلن والفضاء يعلن همسي
واهتف و الورى يعرف حسي
فيا سودان اذا ما النفس هانت
أقدم للفداء روحي ونفسي
ثم ندلف الى محراب فارس الكلمة راهب الفكر ومحب الوطن صلاح احمد إبراهيم وهو يحي ثورة أكتوبر المجيدة:
هات لي بوقي
هات لي بوقي
-بوقي العاج لا الآخر-
واسبقني إلى الساحة، خَبِّر صاحب الحانة أن ينزل لي الراية.
هات لي بوقي – هات القرن – واسبقني إلى الحي،
فضيفي الشعب عصر النصر- كل الشعب – والفرحة صهباي.
هات لي قرني واسبقني،
وهيئ لي مكان الحفل بالزينة
تمتد من البقعة، من بري، ومن توتي،
ومن نحو الحماداب لحلفاية.
وادع لي كل بنات الشعب يرقصن كموج النيل،
يطلقن الزغاريد،
ويسمعن الاغاريد،
ويجلون لنا العيد،
ويسعدن نداماي
هات لي قرني،
لن أحبس أنغامي في صدري،
وفي قلبي نحاسان وفي هاجسي أصداء “أمباي”
هاته،
هات لي الريش،
وناولني جلد الفهد،
والزينة للزند،
فللفرحة في صدري عفريت،
صرعت البغي يا شعبي – لك المجد – فأعداؤك أعدائي.
هاته ندفن به الأبطال موتانا،
ضحايا العنف،
أولى صرخات الثورة الكبرى،
وآلام مخاض الشعب،
فالعنف هو الداية.
هاته نطرب به الابطال جرحانا،
نعز الحق،
نصنع منه للأبناء للآتي من الأجيال في شط غدٍ آية.
هاته،
دعني امزق رئتي،
دعني أُدمي شفتي،
دعني اجرح حلقي اليوم وشدقي،
وأخشن أصبعي بالنفخ في بوقي – بوق العاج –
أُسكر شعبي الفرحان والزاحف في عزم إلى الغاية
هاته،
وأدع لي الشعب – أبي الشعب،
أخي الشعب،
ونور العين والقلب،
وروح الروح، سلوايا ونجواي
هات لي بوقي
من مدهشات وعجائب وغرائبيات الامة السودانية ودهاليز ريبها وتناقضاتها أو محنها كما يحلو لشوقي بدري أن يدعوها ان تنجب امثال صلاح وعبد الله الطيب والطيب صالح وغيرهم كثر ثم تحتضن أحداث مثل هذه الحرب حيث الدمار والتشريد والاغتصاب ؟ إذن لابد أن يكون وراء كل هذا حكمة ومنطقا ما لم تستطع عقولنا المحدودة الآفاق استيعابه ..
والآن مثل طائر الفينيق الاسطوري ينهض من النيران والرماد وسط الركام الشباب والعقلاء من أبناء الوطن للم الشمل لتحقيق الامل والبناء .. فهل تتحطم القيود وتخرج أمدرمان للملأ في ثوب العرس وتبتسم بعد طول عبس؟..
رحم الله تعالى أولئك الرواد العظام بقدر ما قدموا من جلائل الاعمال في تقدم الوطن ورفعة انسانه ..
د. الفاتح إبراهيم
العاصمة الامريكية واشنطن

[email protected]

Comments (0)
Add Comment