“نحو منصات آمنة”.. حملة لحماية مجتمع “الميم عين” من الاستهداف الرقمي

رغم تحصنّه تحت الدبابة المعطوبة ومحاولته البحث عن طريقة أخرى للاحتماء لم تفلح مساعي أحد الجنود الروس في إحدى المناطق المشتعلة بأوكرانيا في درء خطر الطائرة المسيّرة صغيرة الحجم التي كانت تحوم على علو قريب منه.

وما إن خرج من تحتها كما يوثق تسجيل مصور انتشر بكثرة عبر مواقع التواصل خلال الأيام الماضية ولاحقته بضعة أمتار، حتى أنهت مهمتها بالاصطدام والانفجار به، بينما كانت طائرة أخرى توثّق هذا “المشهد الهوليودي” من ارتفاع بعيد وأعلى.

تواصل موقع “الحرة” مع مستشار وزير الدفاع الأوكراني، يوري ساك للتأكد من صحة الفيديو المذكور وفيديوهات أخرى ينشرها مستخدمون بكثرة عبر “إكس” وتوثق استهداف جنود روس بطائرات صغيرة الحجم، وقال إنه لا توجد معلومات بشأن هذه المسألة.

ومع ذلك دائما ما تنشر وزارة الدفاع الأوكرانية عبر حساباتها الرسمية فيديوهات توثق عمليات “مطاردة هوليودية” كما يصفها خبراء عسكريون وأمنيون، بين طائرات صغيرة الحجم “تذهب ولا تعود” وجنود روس في الميدان، سواء كانوا راجلين أو في الدبابات والمدرعات.

آخر التسجيلات انتشرت قبل يومين، وظهر فيها العشرات من الجنود الروس على محور مدينة أفدييفكا الأوكرانية. وبينما كانوا ينتشرون على مسافات قريبة وداخل حفر ومن خلف متاريس سرعان ما بدأت الطائرات الأوكرانية الصغيرة باستهدافهم بشكل مباشر وعن طريق الاصطدام حتى قتلت معظمهم.

ويظهر تسجيل آخر انتشر في الثامن عشر من يناير الحالي تمكن طائرة بدون طيار أوكرانية من تدمير مركبة BMP-3 IFV روسية الصنع، وآخر نشرته “الدفاع الأوكرانية” في 8 يناير وعنونته بعبارة “جرعة قاتلة من طائرات بدون طيار FPV للدبابة الروسية T-90M”.

هل اللقطات أصلية؟

منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا تسلطت الأضواء كثيرا على حرب الطائرات بدون طيار بين الجانبين، وكيف أنها باتت تغيّر معادلات الحروب العسكرية ككل، وقد تدفع دولا كبار تراقب من بعيد إلى إعادة ضبط التسلح بما يتناسب مع آخر صرعات وتقنيات الأسلحة.

ومع طول أمد الحرب وغياب أفق انتهائها أو حسمها لصالح طرف دون آخر بدأ كلا الجانبين بمواكبة المرحلة، والسير بما تتطلبه عملية تقليل الخسائر وكذلك الأمر بالنسبة للذخائر والقطع.

ودفعهم ما سبق إلى البحث “خارج الصندوق” المتعارف عليه فيما يتعلق بالطائرات المسيّرة واستخدامها في ساحات المعركة، كما يقول خبراء من أوكرانيا وبريطانيا وألمانيا تحدثوا لموقع “الحرة”.

جوليان روبكي محلل عسكري وأمني في صحيفة “بيلد” هو أحد الأشخاص الذين ينشرون باستمرار فيديوهات “المطاردة الهوليودية” بين الطائرات الأوكرانية والجنود الروس في مختلف المناطق بأوكرانيا.

ويوضح لموقع “الحرة” أن نراه في التسجيلات وما يستخدم في الغالب في ساحة المعركة اليوم هو المروحيات الرباعية (ذات المراوح الأربع) أي الطائرات التجارية بدون طيار.

وتبلغ قيمة هذه الطائرة الانتحارية حوالى ألف يورو، وهي مجهزة برؤوس حربية صاروخية أو متفجرات أخرى، فيما يصل مداها إلى نحو 10 كيلومترات.

ويضيف روبكي أنه يمكن استخدامها ضد المشاة أو المركبات القتالية والدبابات وحتى أطقم المدفعية المقطوعة أو ذاتية الدفع إذا تحركت بالقرب من الجبهة.

ويشير محلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، فابيان هينز إلى أن الطائرات الأوكرانية التي باتت تنتشر لها الكثير من التسجيلات هي من نوع “FPV”.

تقوم استراتيجية هذا السلاح على الرؤية من منظور الشخص الأول، حسب هينز.

ويوضح لموقع “الحرة” أن “الطائرات المستخدمة تجارية وتستخدم عادة لأغراض ترفيهية ولتنظيم السباقات، وعند النظر إليها في ساحة المعركة تعتبر رخيصة للغاية مقارنة بتكاليف العتاد العسكري”.

“هي مجهزة بمتفجرات وفتيل ثم يمكن استخدامها، لكن المشكلة تكمن أن معظمها يُنتج في الصين، ثم يُستورد ويُحول إلى أنظمة أسلحة”.

ومع ذلك يتابع هينز أنها “جزء من اتجاه أكبر حيث أصبح الحصول على الطائرات بدون طيار سواء للضرب أو للاستطلاع سهلا ورخيصا للغاية، كما أصبحت ساحة المعركة أيضا أكثر شفافية على الإطلاق”.

“حقل تجريبي”

ويجب مراجعة كل شيء على وسائل التواصل الاجتماعي والتحقق من التسجيلات “بعناية” كما تؤكد لادا روسليتسكي مؤسسة مجموعة “بلاك ترايدنت” للاستشارات الدفاعية والأمنية في أوكرانيا.

وتربط ذلك بأننا “بتنا نعيش في عالم تزدهر فيه حروب المعلومات مع الاستخدام الخبيث للروبوتات والتزييف العميق للذكاء الاصطناعي، في محاولة لاستهداف قلوب وعقول البشر”.

و”من المستحيل القول بأن جميع التسجيلات أصلية”، كما تشير روسليتسكي بعدما أرسل موقع “الحرة” عدة روابط لها منشورة في “إكس”، وتوثق استهداف طائرات أوكرانية صغيرة الحجم جنود روس بشكل مركز ومباشر.

ومع ذلك تقول إنه “من المحتمل بنسبة 70 بالمئة أن تكون اللقطات أصلية”.

يعتبر استخدام الطائرات الانتحارية أو بدون طيار أمرا حقيقيا في أوكرانيا، “ولسوء الحظ من كلا الجانبين”، وفق تعبير المحللة العسكرية والأمنية.

ومن المتوقع أن يرتفع استخدامها، وأن “تتحول أوكرانيا إلى حقل تجريبي للإبادة الجماعية حيث يتم تطوير تقنيات جديدة واختبارها على البشر”، كما تضيف للحرة.

ويشير المحلل روبكي إلى أنه تم استخدام الطائرات الانتحارية بدون طيار لأول مرة بشكل جماعي في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا منذ حوالي ثلاث سنوات.

ولكن في ذلك الوقت، كانت تلك المستخدمة عبارة عن طائرات بدون طيار انتحارية من النوع العسكري، ومصنوعة في إسرائيل، ولم تستخدمها إلا أذربيجان.

وفيما يتعلق بأوكرانيا يوضح المحلل العسكري والأمني الألماني أن “روسيا استخدمت الطراز العسكري الانتحاري أولا، الذي تمثل بطائرة شاهد 136 الإيرانية”. 

وفي وقت لاحق، بدأت أوكرانيا أيضا ببناء طائراتها الانتحارية بدون طيار من النوع العسكري.

“الطائرات الانتحارية الصغيرة بدون طيار باتت تعمل على تغيير طريقة خوض الحروب تماما”، وفق المحلل روبكي.

ويردف أنها باتت “تحل جزئيا محل المدفعية الروسية والأوكرانية، ولأسباب مختلفة تماما”.

“بديل عن النقص”

وتمتلك أوكرانيا ما يكفي من المدفعية، ولكن عددا قليلا جدا من القذائف القادمة من الغرب، وفي المقابل لدى روسيا ما يكفي منها، على سبيل المثال تلك القادمة من كوريا الشمالية، كما يتابع روبكي.

ويوضح بقوله: “الطائرات بدون طيار الانتحارية إما مصنوعة من طائرات تجارية أو مصنوعة لهذا الغرض فقط، وهو ما يمنح الطرفين في أوكرانيا إمكانيات جديدة تماما لتشتيت انتباه العدو، حتى لو كان متحركا أو مخفيا”.

ويُزعم في الوقت الحالي أن روسيا تستخدم حوالي 2000 طائرة بدون طيار انتحارية يوميا، بينما تستخدم أوكرانيا حوالي 1000 طائرة بدون طيار انتحارية يوميا. 

وقد يكون الرقم الحقيقي أقل، حسبما يشير روبكي، بينما يضيف أن “نسبة نجاح مثل هذه الضربات تتراوح بين 30 و50 بالمئة”.

وما يثير اهتمام الخبير العسكري فابيان هينز هو أن “عمليات الطائرات من نوع FPV لا ترتبط بأوكرانيا فقط بل يعمل الروس على ذات المنوال أيضا”.

 هينز يشير إلى بعض الدلائل على أن الروس يفعلون ذلك على نطاق أوسع لأن لديهم برنامج توريد أكثر تنظيما لهذه الأنواع من الطائرات.

ويقول أيضا إن “الجانب الروسي بدأ أيضا تعديلات ميدانية على الأرض”، وتتوارد أنباء عن تجهيز الطائرات بأنظمة تصوير حراري يمكن استخدامها في الليل أيضا.

“الأنواع لا تعد”

لا يقتصر استخدام المسيرات من جانب أوكرانيا على تلك التي تزج بساحات القتال وعلى طول الجبهات، حيث تسلك أنواع أخرى ومحدودة طرقا باتجاه العمق الروسي، وهو ما حصل لأكثر من مرة.
وذكر مصدر أوكراني الخميس لوكالة “رويترز” أن طائرات مسيرة أوكرانية استهدفت مصفاة نفط مملوكة لشركة روسنفت بجنوب روسيا، في أحدث هجوم من هذا النوع على البنية التحتية للطاقة.

وأكد المصدر، أن جهاز الأمن الأوكراني استهدف المصفاة بطائرات مسيرة وسيواصل مهاجمة المنشآت التي تزود الجيش الروسي بالوقود في حربه على أوكرانيا المستمرة منذ عامين تقريبا.

كما أضاف أن “جهاز الأمن الأوكراني يوجه ضربات في عمق روسيا الاتحادية ويواصل هجماته على منشآت ليست مهمة للاقتصاد الروسي فحسب، بل تزود أيضا قوات العدو بالوقود”.

وتشير الباحثة الأوكرانية في شؤون الأمن والدفاع لادا روسليتسكي إلى أنواع المسيرات الأوكرانية لا تعد، وتقول إن أهدافها مختلفة كذلك، حيث منها الذي ينفجر ذاتيا عن الاصطدام. 

وقسم آخر يتم استخدامه في ساحة المعركة للاستطلاع وإسقاط القنابل، وتُستخدم أجزاء جديدة في الدفاع الجوي، وللوصول إلى أهداف داخل روسيا.

وعلى الرغم من أن هناك حاجة حقيقية للطائرات بدون طيار، إلا أنها أكثر وفرة من المدفعية التقليدية التي تعاني من نقص شديد في المعروض بسبب جنوح حلفاء أوكرانيا عن تقديم الدعم، كما تضيف روسليتسكي.

وتوضح من جانب آخر أن “نطاق تطبيق تكنولوجيا الطائرات بدون طيار واسع، كما أنها توفر رسم خرائط في الوقت الحقيقي لساحة المعركة، وقادرة على تدمير الدبابات والسفن”.

وتنمو تكنولوجيا الطائرات بدون طيار أيضا تحت الماء بسرعة.

وفي حين أن الأضواء تتسلط دائما على الجانب الأوكراني “يتم استخدام أنواع مختلفة منها من جانب روسيا، وفق الباحثة.

وتتابع أن “عدد الأنواع المختلفة مذهل ويتزايد باطراد”، حيث “تبدأ من أبسط الحرف اليدوية (افعلها بنفسك) والتي يتم صنع بعضها من الورق المقوى إلى الأنظمة المتقدمة مثل استخدام روسيا لأحدث نسخة إيرانية (شاهد 136)”.

وتوضح الباحثة أن “الترددات المستخدمة لتشغيل الطائرات بدون طيار بجميع أنواعها هي أيضا مفتاح فشلها أو نجاحها”، مشيرة إلى أن “الحرب اللاسلكية الإلكترونية تلعب دورا رئيسيا هنا خاصة فيما يتعلق بمقاومة التشويش”.

“سباق تسلح عالي السرعة”

يجمع المراقبون والخبراء على أن ما تشهده أوكرانيا حاليا يشكل “حقل تجارب” لمختلف أنواع الأسلحة والتكتيكات العسكرية.

كما يقول المحلل روبكي إن “الجيوش في جميع أنحاء العالم تراقب وتعمل على تعديل استراتيجيتها العسكرية وفقا لذلك”.

ويضيف المحلل هينز أن “العمل في ظل الظروف التي تفرضها الطائرات على ساحة الحرب في أوكرانيا يشكل تحديا كبيرا لأي جيش”.

ويشير إلى مشكلة تتعلق بأن “الكثير من الجيوش ليست معتادة على هذا التهديد لأنه لم يتجسد إلا إلى هذا الحد في أوكرانيا”.

الباحثة الأوكرانية روسليتسكي تقول إنه “لم يسبق في تاريخ الحروب استخدام الطائرات بدون طيار بشكل مكثف كما حدث في أوكرانيا”.

وتضيف أن كييف “لديها أكثر من 3 أنواع جديدة من الطائرات وأكثر من 20 في ساحة المعركة”.

ولا تقلل الباحثة من التقنية الموجودة لدى الجانب الروسي، حيث توضح أن “موسكو تستخدم أيضا طائرات بدون طيار، وتتقدم تطوراتهم التكنولوجية على الرغم من العقوبات”.

“إنه سباق تسلح تكنولوجي عالي السرعة”، والجانب الإيجابي بالنسبة لأوكرانيا أن “لديها المزيد من شركات التكنولوجيا المتقدمة الأجنبية والدول التي تدعمها والمهتمة بتطوير سوق الطائرات بدون طيار”، كما تتابع الباحثة الأوكرانية. 

وتؤكد أنه “بصرف النظر عن الشركات المملوكة للدولة في أوكرانيا، فإن لديها صناعة دفاع خاصة ناشئة عالية الأداء وشبكة من المتطوعين. وبدون ذلك، ربما كانت قد خسرت منذ وقت طويل”.

Comments (0)
Add Comment