شوارع حزينة ومنازل تشتاق لساكنيها نيالا(البحير) … مشاهد من منتصف المدينة

الحلقة الأولى بقلم : محمد آدم

 

كانت تضج بالحركة والنشاط ويأتيها الناس من كل فج وحدب ،نيالا لم تكن مجرد مدينة صغيرة تتأثر بدخول الوافدين إليها او خروجهم منها مهما كان عدد الرحلات او جملة القادمين ،،،، المدينة الوحيدة في دارفور التي تستطيع ابتلاع ملايين الناس في جوفها دون أن يحس بهم احد او يتذمر أهلها على قدوم هؤلاء الوافدين دون تخوف من أن يحدث بمقدم هؤلاء، نقص في مأكل او مشرب أو مسكن ، مقارنة ببعض عواصم الولايات التي ارتفعت فيها اصوات تشكو مقدم (النازحين)، الفارين بسبب الحرب اذا كانوا من العاصمة الخرطوم او مدن اخرى بسبب الحرب.

رحلات عكسية

كانت “نيالا”، فتية تجود بخيرها على أهلها وضيوفها ومن قصدوها طلبا للعمل ،الدراسة أو اي كان الغرض ،ظل بابها مفتوحا على مصرعيه لاستقبال القادمين إليها وفي ذات الوقت توداع من حزموا حقائبهم لمغادرتها ، ما قبل الحرب كانت حركة مواطن المدينة محددة تبدأ من الأطراف نحو منتصف المدينة والعكس،حيث يضمن وسط المدينة “سوق نيالا الكبير الذي يتمدد داخل أحياء متأخرة له مثل (الوادي، والجمهورية، السينما، وشم النسيم،الامتداد، المزاد)،وغالبية المؤسسات الخدمية والعلاجية ،الثقافية ، والمدارس والبنوك والمكتبات .. الخ … غالبية ما يحتاج إليه الناس من سلع وخدمات موجود في منتصف المدينة .. سرعان ما تحول الوسط الى ساحة حرب بعد أن اغلق السوق وطلب من التجار انذاك أخذ كل ما يخصهم وأعلنت المنطقة “منطقة عمليات” فهجر الناس منطقة منتصف المدينة ، واختفى كل ذلك الضجيج الذي كانت تحظى به ،شوارع وازقة السوق الكبير وأحياءه المجاورة، ،،، الآن حركة مدينة”نيالا”،محصورة بين اسواقها الفرعية التي حلت مكان السوق الكبير المدمر الذي صار منطقة عبور مؤقت لخطوط “الركشات”.
على سبيل المثال ؛؛ إذا أردت شراء شيء ما او التبضع وانت في منتصف المدينة، او أقصى شرقها ،او شمالها الشرقي عليك التوجه نحو سوق موقف الجنينة في اقصى غرب المدينة باعتباره سوق الجملة الوحيد لغالبية السلع والاحتياجات الضرورية في “نيالا” بعد دمار منطقة السوق الكبير .. وبه خطوط مواصلات تربطه باسواق (المواشي ،الجمعة ،الملجة ،الجبل،النيل،الشعبي، تكساس جنوب “قادرة “).

خراب ديار

بعد الدمار الذي لحق بالبنى التحتية والمناطق السكنية الذي أودى بحياة الكثيرين في هذه المدينة بفعل القذائف المدفعية اثناء الاشتباكات و المواجهات العسكرية ، غادرت آلاف الأسر مساكنها بحثا عن الآمان ،بعيدا عن مرمى نيران المتحاربين من الطرفين ورغم الضرر الذي لحقت بالمنازل والمؤسسات على صعيد المباني، إلا ان هناك حملات واسعة للنهب والسلب صاحبت هذا الخراب في مختلف أنحاء المدينة،يقوم بها قطاع عريض من(لصوص لا يفرقون بين مسجد ،صيدلية ولا مشفى، منزل او جامعة، مدرسة) … فشراء المنهوبات في الأسواق التي خصصت لها شجع الصوص على نهب اي منزل اول مؤسسة او مكان يقع على نصب اعينهم، سواء كان نهب مسلح او عادي.

بعد نفاذ أثاثات المنازل والمؤسسات ،عاد اللصوص إلى سرقة أبواب المنازل والنوافذ “الشبابيك”،وتشليع الأسقف بغية الحصول على “الزنك”، اي منزل او مبنى لا يوجد به احد تم سرقته ،،، وحملة التشليع هذه كانت شاملة وخاصة وسط المدينة سواء كانت “منازل ، مستشفيات ،وزارات ، دكاكين … الخ )… حتى صارت منطقة منتصف المدينة اشبه بمناطق أثرية لا حياة فيها ، مضى على وقوفها هكذا قرون!!!!

صور ومشاهد

في الطريق إلى منتصف المدينة ترافقك صور الخراب وحجم الدمار الذي احدثته الحرب ب”نيالا”، على يمينك منازل مهجورة وعلى يسارك اعمدة كهرباء مدمرة،وكوابل متساقطة على ارصفة الطرقات،،،، ومن أمامك منازل ومبان اخرى محترقة جاثية محتضنة بقايا “أسوارها المنهارة ومن حولها قصاصات من الزنك والحديد المثقوب والممزق بسبب “الدانات” … بل هنالك أحياء خالية من السكان تماما تستقبلك بجدران بلا ارواح بعد ما سطى اللصوص على ابوابها ونوافذها وأسقفها ، كما هو الحال في منازل حي الموظفين بعد تجاوزك للفة “القيامة” في طريقك إلى السوق الكبير “،وتشاطرها في الحزن والسكون “منازل قشلاق ومستشفى الشرطة، وتمتد مشاهد الخراب لتشمل مباني وزارة الزراعة ومجمع محاكم تسجيلات الاراضي،ومجمع محاكم الأوسط والنيابة العامة وصولا لكبري مكة ،،، فلكل محطة هناك حكاية وتفاصيل ولكن الحرب قالت كلمتها… ومن بين هذا الحطام والمعالم يقف مسرح الشهيد السحيني وحيدا وسط ساحته الممتدة من دون أسوار متوسدا خشبته ، متوشحا ” بستائر ديكوره الأسود”، معلنا حداده على ضياع البلاد وتهجير العباد .

#نواصل

Comments (0)
Add Comment