“خطوة أولى” نحو تمرير حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل في مجلس الشيوخ

لا تقتصر التحركات الروسية حول العالم على الجانب العسكري فقط، كما يحصل في سوريا وأوكرانيا، بل تتعداه أيضا لتشمل آليات أثبتت فعاليتها خلال السنوات الماضية وتتمثل بـ”المعلومات المضللة”.

ركزت موسكو في حملاتها الدعائية المضللة على العديد من المناطق حول العالم، وبالأساس في أفريقيا حيث تتنافس على النفوذ مع الولايات المتحدة ودول الغرب.

في تقرير نشر، الخميس، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن وكالات المخابرات الروسية تحاول تقويض النفوذ الأميركي في أفريقيا من خلال نشر معلومات مضللة تشكك ببرامج الصحة العامة الغربية وتزعم أن الأفارقة كانوا موضوعات اختبار في برامج أبحاث بيولوجية تابعة للبنتاغون.

إلى جانب المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم موسكو وسيلة أخرى هي “المبادرة الأفريقية” وهي خدمة إخبارية على الإنترنت تم إنشاؤها في أواخر العام الماضي واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لانتقاد الجهود الغربية في مجال الصحة العامة في أفريقيا.

يرتبط العديد من العاملين في “المبادرة الأفريقية” بمجموعة مرتزقة فاغنر الروسية التي ينتشر عناصرها في أكثر من بلد أفريقي.

يقول جيمس روبين، الذي يشرف على “مركز المشاركة العالمية” التابع لوزارة الخارجية الأميركية إن “أجهزة المخابرات الروسية تقدم الدعم المادي والتوجيه للمبادرة الأفريقية”. 

ويضيف روبين أن “الروس يهدفون للتشكيك في العمل الطبي الذي تقوم به المنظمات الطبية المشروعة ويمنعون الأفارقة من الثقة في الجهود الطبية التي يمكن أن تنقذ الأرواح”.

يفغيني بريغوجين

قاد زعيم مجموعة فاغنر السابق يفغيني بريغوجين حتى وفاته العام الماضي، جهود التضليل الروسية خلال السنوات الماضية، وفقا لمسؤولين أميركيين.

نشر بريغوجين معلومات مضللة للتأثير على السياسة الأفريقية لصالح روسيا من خلال شركات تستغل الموارد الطبيعية لأفريقيا، وسياسيين عملوا على تقويض الجهات الفاعلة الديمقراطية، وكذلك شركات واجهة تتظاهر بأنها منظمات غير حكومية وأيضا من خلال التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي.

قال تقرير نشرته وزارة الخارجية الأميركية في مايو 2022 إن بريغوجين اشتهر بتمويل “وكالة أبحاث الإنترنت” وهي مجموعة من المتصيدين عبر الإنترنت سعوا للتدخل في الآراء السياسية ونشر الدعاية ومهاجمة النقاد، معروفة غالبا بمحاولتها التدخل مرارا وتكرارا في الانتخابات الأميركية.

واتهم التقرير الوكالة بالضلوع أيضا في نشر المعلومات المضللة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في أفريقيا. 

محاولات روسية علنية

لم تقتصر المساعي الروسية لنشر المعلومات المضللة على مجموعة فاغنر التي كانت تعمل تحت إمرة الكرملين بشكل غير معلن.

ففي يوليو الماضي هاجم قائد قوات الوقاية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية الروسية إيغور كيريلوف الولايات المتحدة وزعم في مؤتمر صحافي أنها كانت تختبر سرا عوامل بيولوجية على الأفارقة.

وقال كيريلوف، في إشارة إلى المشاريع الأميركية في نيجيريا لمكافحة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، إن “الأهداف المعلنة للمشاريع الرامية إلى تطوير الصحة العامة لا تتوافق مع الواقع”.

بعدها بفترة وجيزة عمدت “المبادرة الأفريقية” لتضخيم هذه التصريحات ونشرها على نطاق واسع سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو مدونات محلية ودولية، وفقا لما وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين.

“المبادرة الأفريقية” 

تضم هذه المجموعة قنوات باللغتين الإنكليزية والفرنسية على تطبيق تيليغرام بنحو 13000 و14000 مشترك على التوالي. 

شاركت الخدمة مقالات تزعم أن الجيش الأميركي أنشأ مختبرات بيولوجية في البلدان الأفريقية لإجراء تجارب على السكان المحليين، وكذلك روجت لروايات تدعي أن روسيا وفرت دعما حكوميا وعسكريا للدول الأفريقية خلال تفشي الأمراض.

في موقعها الرسمي على الإنترنت تقول “المبادرة الأفريقية” إن نائبة التحرير آنا زامارايفا عملت سابقا كمتحدثة باسم “مركز فاغنر”، وهو مجموعة من الشركات الناشئة التي تمولها مجموعة فاغنر.

كذلك يدير فيكتور فاسيلييف، الذي قال إنه مراسل خاص للمبادرة الأفريقية، قناة تدعى “Smile and Wave”، وهي قناة على تطبيق تيليغرام تصف نفسها بأنها مهتمة بنشر الأخبار المتعلقة بأفريقيا.

في أحد منشوراته على القناة، انتقد فاسيلييف الملياردير الأميركي بيل غيتس ولاعب كرة القدم الأنكليزي السابق ديفيد بيكهام لترويجهما لحملات التطعيم الجماعية التي يقول إنها تعرض الأفارقة للخطر.

وقال فاسيليف إنه عمل في إحدى شركات بريغوجين، الخاضعة للعقوبات الأميركية، في جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2019، لكنه لم يلتق بالرئيس السابق للمجموعة قط.

في ديسمبر الماضي استضافت “المبادرة الأفريقية” المؤتمر الدولي للرعاية الصحية والسيادة في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

روج المشاركون في المؤتمر لاستخدام الطب التقليدي، واتهموا الشركات الغربية باستخدام الأدوية لنشر الأمراض في البلدان الأفريقية، وطالبوا بدلا من ذلك باستخدام الأدوية الروسية، وفقا لما ورد في مقاطع فيديو من الحدث. 

في تقرير على موقع “المبادرة الأفريقية”، أشار فاسيليف إلى أن المجتمعين ناقشوا “الممارسات الشريرة للشركات الغربية” التي قال إنها تستخدم برامج التطعيم كوسيلة لإجراء أبحاث بيولوجية على الأفارقة بشكل غير خاضع للرقابة”.

من الاتحاد السوفيتي إلى روسيا

لدى روسيا تاريخ طويل في نشر المعلومات المضللة المتعلقة بالقضايا الطبية. فخلال الحرب الباردة، زعمت وكالة الاستخبارات السوفياتية “KGB” أن مختبرات الجيش الأميركي في ولاية ماريلاند هي التي أطلقت العنان لوباء الإيدز، من دون أن تقدم أي دليل على ذلك.

وفي الآونة الأخيرة، شنت روسيا حملة لتقويض الثقة في لقاحات كوفيد التي تنتجها شركة فايزر وغيرها من شركات الأدوية الغربية.

تقول الخبيرة في قضايا الصحة العالمية جودي تويغ إن “هذا النوع من المعلومات الخاطئة حول القضايا الطبية، وخاصة فيما يتعلق بالأمراض المعدية ومخاطر البرامج الصحية التي يرعاها الغرب، يعود إلى العصر السوفييتي”. 

ويؤكد مسؤولو المخابرات الأميركية أن أساليب التضليل الروسية المستخدمة في أجزاء أخرى من العالم يمكن أن تقدم نظرة ثاقبة لعملياتها المستقبلية.

تحركت وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا على عدد من الجبهات لمحاولة مواجهة دور روسيا الخفي في التأثير على وسائل الإعلام في الخارج. 

ويحاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن بناء تحالف في أوروبا من شأنه أن يضع سياسات مشتركة لمكافحة الحملات الإعلامية المضللة التي يشنها الكرملين.

وفي أميركا اللاتينية، تحرك “مركز المشاركة العالمي” التابع لوزارة الخارجية الأميركية والذي يعد محورا لجهود واشنطن للتصدّي للمعلومات المضلّلة، في الخريف الماضي لكشف ما قال إنها جهود أجهزة المخابرات الروسية لنشر الدعاية المناهضة للغرب من خلال وسائل الإعلام المحلية. 

وتزايدت جهود موسكو للتلاعب بالمعلومات في إطار محاولتها إحباط محاولات واشنطن لعزل روسيا بعد غزوها لأوكرانيا قبل عامين تقريبا.

ومن بين المعلومات المضللة التي رصدتها وزارة الخارجية الأميركية في حينها تقارير كاذبة زعمت تسليم آثار أوكرانية قيمة من أحد الأديرة في كييف إلى الغرب.

ولتبرير غزوه الشامل لأوكرانيا أعاد الكرملين صنع وترويج العديد من السرديات الوهمية، بما في ذلك بعض السرديات المتعلقة بالأسلحة البيولوجية. 

وجاء في تقرير نشر على موقع وزارة الخارجية في مارس الماضي أن الكرملين زعم في غضون أيام من غزو أوكرانيا وجود “مختبرات أسلحة بيولوجية في أوكرانيا” كإحدى ذرائعه الزائفة لشن هجومه.

ويضيف التقرير أن “من أبرز مزاعم الكرملين الكاذبة اتهام الولايات المتحدة بالعمل مع أوكرانيا لتدريب جيش من الطيور المهاجرة والبعوض وحتى الخفافيش على حمل أسلحة بيولوجية إلى روسيا”.

Comments (0)
Add Comment