حول مشروع دولة الجنجويد – صحيفة الراكوبة

احمد داوود

ثمة مشروع لتأسيس ” أرض ميعاد ” في دارفور . هذا جوهر ما حاولنا الكشف عنه في كتابات سابقة.

لم يكن هذا المشروع وليد اللحظة. لقد كانت جذوره التاريخية تمتد الي التحالف الذي نشأ في دولة المهدية بين أولاد الغرب و البحر في سياق الهيمنة و تأسيس اول نظام اسلاموعربي في البلاد.

عندما نؤشر لهذا المشروع و طبيعته، فنحن لا نحيل الي اي كيان اجتماعي . علي العكس من ذلك ، المقصود فضح النخب التي تستثمر هذا الكيان و توظفه كرافعة للصعود علي هرم السلطة و الثروة .

الأساس الاجتماعي

لفهم البنية الاجتماعية للمشروع يمكن الإحالة الي كتابات د/ الوليد مادبو الذي يوظف التاريخ و المصير المشترك لخلق وعي قومي دارفوري كمقابل للوعي المركزي الذي ينعت المعبرين عنه ببقايا الاتراك ، المصريين و الانجليز.

وبما ان الموقع الاجتماعي الذي يشغله د/ الوليد لم يكن يسمح له بالتنظير و الكشف عن نواياه بشكل مباشر ، فإنه يلجأ الي التواري خلف شعارات تفكيك المركز .

بالتالي في هذا الإطار و عبر استدعاء المظالم يضع د/ الوليد مهام التفكيك علي عاتق الدارفورين .

ويقول في مقال له بكتاب دارفور المستوطنة الاخيرة.. رثيما يتم الجلاء : ” إن دارفور ستتحمل دورها كما تحملته من قبل في تحرير السودان من مخلفات الانجليز ، الاتراك و المصريين ” .

لكن طالما أن المهمة لم تكن تفكيك المركز فقط، و المقصود ليس كافة الدارفورين فإنه يقوم بشكل متعسف بانتقاء طليعة اجتماعية من الدارفورين ليمنحها النسبة الأكبر من شرف التفكيك . هذه الطليعة برأيه تتمثل في “العطاوة” .

و في هذا الإطار يوضح :” إذا سلمنا أن الرزيقات هم سنام العطاوة _ المسيرية، الرزيقات ، بني هلبة ، الخ_ وأن العطاوة هم رأس الرمح في قيادة معسكر الغرب فإن المعول عليهم أكبر في الترتيب و إعادة التشكيل التي تنتظم خطي الكيان العربي ” .

و يضيف في فقرات أخري:” الرأي عندي أن يتوافق الرزيقات _ لأنهم أصحاب قوة عسكرية ضاربة _ مع شعب دارفور و شعوب السودان الأخري و يقرروا الإتجاه شمالا للتخلص من دولة المركز ” .

وعن طبيعة المواجهة يري ” إن المعركة القادمة ستكون مكلفة في الأرواح و الممتلكات لكنها ستحدد مصير الوطن ” .

من التنظير الي الممارسة

بعد الإطاحة بحكومة البشير ، كشف الناشط أحمد الضي بشارة عن كواليس ما دار في الاجتماع الذي جمع عبدالرحيم دقلو بعدد من الفاعليين و الناشطيين السياسيين.

علي مدي الساعتين التي تحدث فيهما ، لم يتطرق عبدالرحيم- حسب الضي- الي الحديث عن اي مشروع وطني .

علي العكس من ذلك ، كان يسوق للحضور الذين انتقاهم حسب معطيات عرقية ، فكرة إزاحة الشماليين من السلطة و استبدالهم بالعطاوة .

لقد كان عبدالرحيم دقلو يعلن بكل ثقة بأنه قد حان الوقت ليستولي العطاوة علي السلطة . متوعدا:” أنا أو حميدتي لو متنا ، الدم حيدور في الشمال ” .

علي خلفية تسريبه لما دار في الاجتماع و فضحه لمشروع آل دقلو تعرض احمد الضي لمطاردات قانونية و اعتقالات ، حيث فتح بمواجهته عدة بلاغات الي أن ارغم في النهاية علي تدوين إعتراف بتعاونه مع مدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش .

مع بدء نذر المواجهة بين مشروع آل دقلو و حلفاؤهم من الكيزان أعلن أحمد الضي انحيازه للفئة الأولي مبررا أنه من حقه الاصطفاف مع ” اهله” .

لحظة التأسيس

يمكن اعتبار الخامس عشر من إبريل كلحظة مؤسسة عمليا للمشروع ، وفيها تم الانتقال من حيز التنظير الي الممارسة.

حيث انخرط نائب قائد قوات الدعم السريع في ترجمة الأفكار التي حدث وان عرضها علي بعض الناشطين ، و التي تتمثل في احقية بعض الاعراق في الحكم ، في ترجمتها بشكل عملي .

و لكن و كآلية للتعتيم علي حقيقة المشروع ، سيقوم الدعم السريع، الزراع العسكري ، بتبني شعارات تفكيك دولة ٥٦ و محاربة الكيزان .

من المشاركة في الإبادة الي الثورة

لقد كان الإرث القبيح و البشع الذي خلفته بعض عناصر الكيانات المستعربة في دارفور وارتباطها بالجنجويد بمثابة العقبة الكؤؤد أمام التدشين العملي للمشروع.

بالتالي ومن أجل تسويق المشروع و اصطناع حالة تصالح معه كان لابد من هدم و تحطيم مفهوم الجنجويد و سردية الدارفورين عن الإبادة الجماعية .

و في هذا الإطار ، و عبر التحايل و التلفيق يقدم د/ الوليد مقاربة جديدة لفهم الجنجويد الذي لم يكن في هذه الحالة نتاج التطور الكمي و الكيفي لمليشيا الجنجويد التي إبتدأت بالتجمع العربي و المراحيل مرورا بقوات امباغة و حرس الحدود و انتهاءا بالدعم السريع .

وإنما كرد فعل علي الهجمات التي تعرض لها العرب . حيث يقول في أسطر أخري من ذات الكتاب :” إن _جنجويد _ لفظ وافق اهواء العرب الذين كانوا يقايضون عشرة جمال ببندقية واحدة لحماية أموالهم التي كانت تتعرض للنهب من قبل مجموعة إثنية لقيت دعما غير محدود في فترة من الفترات ولم تزل من حكومة تشاد ” .

لقد كان اصطناع صورة جديدة للجنجويد مفارقة لحقيقته هو المدخل الصحيح لتقديم توصيف مغاير لما حدث في ١٥ إبريل، و نقض سردية أرض الميعاد.

و بما أن الجنجويد لم يكونوا نتاج التطور الكمي و الكيفي في مؤسسة الجنجويد، وبما أنهم ضحايا ، يمكن تعريف ما يحدث الان كفعل ثوري و امتداد لنضال السودانيين للانفكاك من قبضة الدولة المركزية ، هكذا بكل بساطة وذلك بعد أن يضع الدعم السريع في خانة الحركة الشعبية لتحرير السودان  ، و يتم مساواة حميدتي بالقادة خليل و قرنق  .

 

المخرجات العملية

تقف مخرجات التجربة العملية للدعم السريع كمثال حي علي حقيقة مشروع أرض الميعاد .

فمن القتل علي أساس عرقي ، و تحديد الأهداف العسكرية وفق معطيات العرق ، الي استهداف البني الاقتصادية و الإنتاجية للكيانات المغايرة و تدمير اقتصاداتها نستشف حقيقة المشروع.

و في حين أن الدعم السريع يحاجج بتفكيك دولة ٥٦ ، تؤسس حروبه لتغيرات طبقية و اقتصادية لعناصر قوي اجتماعية محددة ، استغلت هذه الحروب لتراكم ثوراتها و تطرح نفسها كنخبة اقتصادية بديلة للنخب القديمة .

و بينما يتبني شعارات التأسيس و البناء يستمر الدعم السريع في استهداف قري السكان الأصليين و تفريغها مشيدا عليها مستوطناته في سلوك يتناقض مع الشعارات التي يتبناها مثلما حدث في الجنينة.

في مواجهة الابتزاز

عوضا عن الاعتراف بهذه الحقائق و مقارعة الحجة بمثيلها _ يلجأ نشطاء الجنجويد الي إشهار سلاح العنصرية في مواجهة كل من يفضح هذا المشروع و انتهاكاته.

و كآلية للتعتيم و الانكار لا يتم تعريف فعل بشع كذبح طفل في الجنينة كما ذكرت هيومن رايتس كجريمة عنصرية . تكمن العنصرية في فضح هذا الفعل و كشف الجذور التاريخية و النظرية المؤسسة له .

قلت و أكرر مرة أخرى ، هذا المشروع خطر ليس علي السودان فقط وإنما حتي علي الاعراق التي تم اختطاف صوتها و استثمارها في مشاريع معادية للانصهار و الوحدة الوطنية ، بالتالي في سياق مواجهة هذا المشروع ، يبقي من المهم جدا هزيمة أساليب التصنيف و الابتزاز بالعنصرية ؛ أسلحة الجنجويد المفضلة لحجب الحقائق وقمع الرأي الآخر.

 

Comments (0)
Add Comment