اعتقالات  تلودي: تجار المواتر عالقون بين الاتهامات و الصراع والتجارة

في ظل الصراع الدائر في السودان، فإن الحادث الذي وقع يومي 13 و 23 يناير 2024 في تلودي، حيث اعتقلت القوات المسلحة السودانية أكثر من ثلاثين تاجرًا، يكتسب أهمية أكثر عمقًا. هؤلاء التجار ( ما تسمعوا كلمة تجار وتفتكروا انهم تجار كبار كدة، لا لا ، ديل بتاعين مواتر ساي بجازفوا لقمة العيش مجازفة)، الذين تم القبض عليهم أثناء استيراد البضائع من جنوب السودان على دراجاتهم النارية وعربات التوك توك، يجدون أنفسهم عند تقاطع الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الصراع وتعقيدات التجارة  المفتعلة عبر الحدود لحماية مصالح بعض القطط السمان المحميين.

أدى الصراع في السودان إلى تعطيل طرق التجارة التقليدية بشدة، وخاصة تلك التي تعتمد على ميناء بورتسودان، الميناء البحري الرئيسي في البلاد. ومع إغلاق الطرق أو جعلها محفوفة بالمخاطر بسبب الحرب، لم يعد الوصول إلى السلع عبر هذه القنوات أمرًا صعبًا فحسب، بل أصبح أيضًا مكلفًا للغاية، وشبه مستحيل. وهذا التصاعد في التكاليف، الناجم عن زيادة المخاطر والعقبات اللوجستية لطرق النقل التي اغلقتها الحرب، يتجاوز القوة الشرائية للكثيرين داخل المجتمعات المحلية.

بالنسبة للتجار في تلودي والمدن المماثلة القريبة من الحدود، فإن الطريق عبر جنوب السودان يوفر شريان حياة، وإن كان محفوفًا بمجموعة التحديات الخاصة به، بما في ذلك اتهامات بالتجارة غير القانونية وخطر الاعتقال. ومع ذلك، في مواجهة الصراع، يسعى هؤلاء التجار جاهدين لتلبية احتياجات مجتمعاتهم، في محاولة للتحايل على الحصار الاقتصادي الذي فرضته الحرب فعليًا على جزء كبير من السودان. خاصة وإن  منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، كانت اللوائح التجارية نقطة خلاف داخلي في السودان قبل جنوب السودان. وقد استخدمت كسلاح ضد مواطني المناطق الحدودية مع جنوب السودان في الوقت الذي نجد فيه تسهيل وصول السلع والخدمات من مصر وإثيوبيا وليبيا وتشاد ومن جنوب السودان عبر منافذ أخرى خارج جنوب كردفان. فلماذا التضييق على مواطني جنوب كردفان دون غيرهم، خاصة مواطني المنطقة الشرقية.

إن اعتقال التجار لا يؤدي إلى تعطيل هذا النظام الاقتصادي الهش فحسب، بل يفتح الباب أيضًا أمام التجار الأكبر حجمًا والأكثر رسملة للسيطرة على السوق. ومن الممكن أن تحتكر السوق هذه القطط السمان و الأكبر حجما والواصلين والذين لهم شراكات مع قادة بعض الوحدات العسكرية والامنية في المنطقة وهذه ليست معلومات وحقائق يعرفها المواطن البسيط المغلوب على أمره، وهؤلاء غالبا ما يكونوا مجهزين بشكل أفضل للتعامل مع تعقيدات التجارة في زمن الحرب لمعرفتهم بنقاط ضعف السيستم المصنوع خصيصا لإثراء البعض على حساب أصحاب الحق الاصيل، وهذه المجموعات تجد السند والرعاية والحماية او التواطؤ من قبل هذه الاجهزة الرسمية، مما يؤدي أيضا ذلك  في ارتفاع التكاليف المرتفعة لطرق النقل الأطول والأكثر أمانا. ويهدد هذا التحول بتهميش صغار التجار، الذين لعبوا تقليديا دورا حاسما في دعم الاقتصادات المحلية، وخاصة في أوقات الأزمات.

يمكن اعتبار تصرفات القوات المسلحة السودانية ضد تجار تلودي بمثابة أعراض لحرب اقتصادية أكبر يعيشها المواطن البسيط، حيث يعمل الحصار والسيطرة اللاحقة على طرق التجارة على ترسيخ الفوارق الاقتصادية. إنه سيناريو تمتد فيه الخطوط الأمامية للحرب إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة، لتصل إلى سبل عيش أولئك الذين يحاولون الحفاظ على مجتمعاتهم وسط الاضطرابات.

تسلط الاعتقالات الضوء على تقاطع معقد بين التجارة المحلية والعلاقات عبر الحدود واللوائح الصارمة الغير موجودة الا في مخيلة النفعيين الذين يستغلون سلتهم في المواطن البسيط، مستغلين سلطتهم في الجيش والأمن والشرطة. إن اتهام القوات المسلحة السودانية للتجار  ( تجار المراتر) بالتجارة غير القانونية مع جنوب السودان يثير تساؤلات حرجة حول طبيعة قوانين التجارة وحرية الاقتصادات المحلية في المشاركة في التجارة عبر الحدود. في ظل حرب وانعدام السلع والمواد والخدمات وصعوبة الحصول عليها. فبدل أن تعمل هذه الأجهزة على تسهيل إجراءات التجارة بين البلدين لتخفيف العبء على المواطن، إلا أنها تمشي في النقيض من مصلحته. خاصة في انعدام فرص العمل. نحن مع القوانين وتنظيم حركة التجارة خاصة الحدودية، ولكن وفقا لاستيعاب الظروف المحيطة بالمنطقة وتعقيدات الحرب التي تتطلب المرونة ومراعاة الظروف المعيشية الضاغطة التي يعاني منها المواطن البسيط. ويجب أن تكون هذه الإجراءات عادلة وليست انتقائية، مسهلة لبعض كبار التجار المهربين والضغط على الصغار الذين يستغلون التوكتوك والمواتر ويغض الطرف على اللواري الكبيرة ” الشاحنات”. تلودي مدينة معزولة ومقطوعة وليس فمحاربة صغار الكسبة وفتح الباب للمرتبطين بالاجهزة الامنية من التجارة امر مضر بمستقبل المنطقة وسيقود إلى احتقان سيؤدي إلى انفجار لا يحمد عقباه. ارجوا ان تنتبه الإدارة المحلية لمخاطر هذا السلوك الانتقائي.
الحادث والعواقب المباشرة

إن التداعيات الأوسع نطاقاً لحادث تلودي، على خلفية الصراع في السودان، تدعو إلى إصلاح عاجل وذلك للاعتبارات الإنسانية التي يجب أن تراعي و تتناسب مع الضائقة المعيشية العامة وانعدام السلع الضرورية. هناك حاجة ملحة لآليات تعمل على تسهيل التجارة عبر الحدود بدلاً من إعاقتها في أوقات الصراع. وينبغي لهذه الآليات أن تعترف بالدور الحيوي الذي يلعبه صغار التجار في بقاء الاقتصادات المحلية وقدرتها على الصمود، وخاصة عندما تتعرض خطوط الإمداد التقليدية للخطر.

علاوة على ذلك، يسلط الصراع الضوء على أهمية الدعم والتدخل الدوليين، ليس فقط في السعي إلى إنهاء الأعمال العدائية ولكن أيضًا في معالجة التداعيات الاقتصادية والإنسانية. ويتطلب ضمان حصول المجتمعات المحلية على السلع الأساسية بذل جهود متضافرة من كل من السلطات الوطنية والشركاء الدوليين لإنشاء ممرات تجارية محمية من تقلبات الحرب.

إن محنة التجار في تلودي هي تذكير قوي بالأبعاد الاقتصادية للصراع، حيث لا يتم خوض معركة البقاء بالأسلحة فحسب، بل أيضًا بالسلع وطرق التجارة والوصول إلى الأسواق. وبينما يتصارع السودان مع تعقيدات الحرب، تسلط قصة تجارة الضوء على الحاجة الملحة لسلام يشمل العدالة الاقتصادية واستعادة القنوات التجارية التي يمكن أن تدعم المجتمعات خلال الصعوبات وما بعدها. ومن خلال القيام بذلك، يستطيع السودان أن يبدأ في نسج نسيج اقتصاد ما بعد الصراع الذي يتسم بالشمول والمرونة ويفضي إلى السلام والازدهار على المدى الطويل.

Comments (0)
Add Comment