أوراق برس
كل ما يهمك

- الإعلانات -

- الإعلانات -

صناعة الأزمات في السودان: وحش يلتهم صانعيه

- الإعلانات -

- الإعلانات -

المستشار اسماعيل هجانة

في قلب أفريقيا، السودان بلد تحرق فيه الشمس الأرض ويروي النيل ظمأها وهو أطول أنهار الكرة الارضية وفقا للعديد من المصادر بطول كلي من المنبع إلى المصب ما يعادل 6650 كيلومترا بتصريف يمثل 2.19% من جملة التصريف العالمي. يبلغ عدد سكان السودان نحو 48 مليون نسمة (تقدير 2022) وتبلغ مساحتها 1,861,484 کیلومتر مربع (718,723 ميل مربع)، مما يجعلها ثالثَ أكبر دولة من حيث المساحة في أفريقيا. وكانت الأكبر في إفريقيا والعالم العربي حسب المساحة قبل انفصال جنوب السودان عام 2011، يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي وتقع العاصمةُ الخرطوم عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض رافدي النيل الرئيسَين. ويتوسط السودان حوض وادي النيل. وتتميز التركيبة السكانية في السودان بالتنوع العرقي والديني واللغوي، فهناك العرب والزنوج والبجا والنوبيون وغيرهم.
ومع ذلك، تحت هذه الواجهة الخلابة تكمن ملحمة مضطربة من الأزمات التي ابتلي بها شعبها لفترة طويلة. إن القول بأن السودان قد مر بالمرحلة العصيبة سيكون بخسًا؛ يبدو الأمر كما لو أنه وقع في عاصفة لا تنتهي أبدًا، مع لحظات قصيرة من الهدوء. يقشر هذا المقال طبقات “صناعة الأزمات” في السودان، ويقدم عدسة تحليلية لفهم الآليات المؤثرة وبصيص الأمل الذي يسطع من خلال الشقوق.
يشمل مفهوم “صناعة الأزمات” في السودان آليات وديناميكيات مختلفة أدت مع مرور الوقت إلى إدامة دائرة الصراع وعدم الاستقرار. هذه الدورة، المدفوعة باستغلال الموارد، والتلاعب بالتوترات العرقية، وتجارة الأسلحة، لم تدمر النسيج الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي للبلاد فحسب، بل وصلت أيضًا إلى نقطة من السخرية حيث يجد مهندسو هذه الأزمات أنفسهم متورطين في شرك نفس المشكلة. الفوضى التي ساعدوا في خلقها. دعونا نتعمق في كل جانب من هذه الجوانب لفهم كيف أدت إلى نتائج عكسية.

أولاً، دعونا نتحدث عن المسامير النحاسية. ليس سراً أن الصراع يمكن أن يكون عملاً مربحًا لأولئك الذين لديهم مصلحة في اللعبة. إن “اقتصادات الحرب” تزدهر وسط الفوضى، كما أشار خبراء مثل بول كوليير في كتابه المبدع “المليار القاع”. في السودان، كانت وفرة الموارد الطبيعية، من النفط إلى الذهب، في كثير من الأحيان سلاحاً ذا حدين، مما أدى إلى تأجيج الصراع بقدر ما أدى إلى تأجيج الاقتصاد. المفارقة هنا صارخة مثل الليل والنهار؛ وفي حين أن هذه الثروات يمكن أن تمهد الطريق للازدهار، فإنها غالبا ما تؤدي إلى صراع على السلطة والاستغلال. لذلك منذ بدايات الحروب في تاريخ السودان نجدها متركزة في أكثر المناطق ثراء في السودان. حروب جنوب السودان التي استمرت لأكثر من 20 عام مع تصميم المتحكمين في السودان وموارده مع سبق الإصرار والترصد، تم رفض كل الحلول الموضوعية العادلة والمرضية للجميع. المفضية للمحافظة على سلامة ووحدة أراضي البلاد. ولان السلام والديمقراطية تفضح تجار الحروب ، مصاصي الدماء واصلوا بعنف منقطع النظير في محاربة الجنوب بدعاوى الدين وغيرها من الاكاذيب فقط من اجل احكام السيطرة على الموارد. بعد انفصال الجنوب، تمت صناعة حرب جديدة في دارفور مع ضمان استمرارها في جنوب كردفان والنيل الأزرق في ذات الحين. والتجهيل و الإفقار المتعمد لأهل شرق السودان وابعادهم من مواقع اتخاذ القرار إلا في حدود الترميز التضليلي. لو لاحظنا ان نشوب واستمرار الحروب بإصرار متعمد يتم في مناطق الإنتاج! لماذا! اترك الاجابة لفطنة القارئ الحصيف! ولكن دعونا نتعمق بعض الشيء في الموارد محل الصراع! في السودان وفق معلومات تقريبية، ترى أن الاحتياطي التعديني المكتشف حوالى 1450 طن، حيث تعمل في السودان أكثر من 320 شركة متنوعة ما بين الاستكشاف والانتاج. ويبلغ احتياطي السودان من النفط المؤكد 6.8 مليار برميل (2010) م وفقا للإحصاءات الرسمية، و بهذا يحتل الرقم 20 في العالم حسب التصنيف، بينما يبلغ احتياطيه المؤكد من الغاز الطبيعي (2010) مليار متر مكعب. وفي الشق الحيواني، نجد ان بلادنا يتمتع بـ 102 مليون رأس من الماشية، متحركة في مراع طبيعية، تُقدر مساحتها بـ 118 مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد على أربعمئة مليار متر مكعب. مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تقدر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع) وفق تقرير للأناضول، وتقدر الأراضي الزراعية المستغلة في السودان حاليا بنحو 45% من جملة المساحات المتاحة للزراعة. فضلا عن أن حزام الصمغ العربي في السودان يمتد على مساحة تبلغ حوالى 500 ألف كيلومتر مربع من إقليم دارفور في غرب البلاد على الحدود مع تشاد، إلى ولاية القضارف في شرقها قرب الحدود مع إثيوبيا. والسودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على حوالى 70% من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية. غرب السودان، يعتبر من أغنى المناطق بالذهب والماس واليورانيوم والحديد والرصاص ومعادن أخرى، حيث تشتهر مناطق جبل مرة وجبل عامر والمثلث وحفرة النحاس وغيرها بتلك الثروات، لكنها غير مستغلة بكفاءة. الممتبع جميع هذه الموارد نجدها في حزام النزاعات والصراعات الأهلية الممنهجة، بالإضافة الى الحروب المشتعلة بلا توقف، كالنار في الهشيم. بقراة مبسطة وسريعة، تكتشف أن الحروب السودانية التي كانت تديرها النخبة في الخرطوم باحترافية عالية، تستهدف بصورة مباشرة هذه الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعية و لكنها ترزح في الفقر والجهل والمرض. عدم الاستقرار في حزام الإنتاج في مناطق دارفور، كردفان والنيل الأزرق، وشرق السودان وبالرغم من الحروب المستمرة بها، فإن تعدين الذهب خارج الإطار الرسمي لم يتوقف بها، بل بل يصل إنتاجها من الذهب وغيرها من المعادن والمنتجات الاخرى إلى خارج السودان عبر عمليات معقدة ومتصلة لاستدامة الحرب من جهة واستمرار استنزاف موارد هذه المناطق بصورة أكثر دقة وتخطيطا. بينما كنا نناقش أوراق مفاوضات السلام في جويا في العام 2020، وبصفتي عضو وفد الحكومة الانتقالية قال احد الزملاء هامسا في أذني متذمرا لماذا نحن تعبانين مع المتمردين ديل كدة، وأضاف قائلا: لازم تكون ادارة موارد الاقاليم اتحادية بصورة صرفة، وإذا دايرين يرجعوا للحرب يرجعوا. فقلت له لكن نحن اتفقنا في الأوراق السابقة أن تكون الحكومة فدرالية كيف يمكن أن أن تعمل على مركزة كل الإيرادات في الاتحادية؟. وما العيب في أن يطلب سكان هذه الأقاليم بحقهم في مواردهم والمشاركة في إدارة بصورة عادلة وفق القوانين؟ صمت ولم يتحدث بعدها ومن وقتها ظل يتحاشى الحديث معي. هذا غيض من فيض. ووفقا للدراسة التي نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بأن الحرب ستفاقم من هدر المعادن، وسوف تزيد من المخاطر الاقتصادية ومن معاناة الشعب السوداني، ولفتت الدراسة إلى أن إدارة قطاع المعادن في السودان كانت تواجه صعوبات كبيرة، نسبة لتقاطع المصالح بين الجهات المختلفة والصراع بين شبكات المصالح المرتبطة بالصراع الحالي وضعف الرقابة الحكومية وضعف جهاز الدولة الإداري في مواجهة هذه المجموعات، مما تسبب في كارثة التهريب. بالإضافة إلى أن المساحة الحالية المستغلة في التعدين لا تتعدى حوالي 20%.

علي الرغم من تمتع السودان بموارد طبيعية وفيرة، بما في ذلك النفط والذهب والأراضي الخصبة. ومع ذلك، بدلًا من أن تكون هذه الموارد بمثابة ركائز للازدهار الاقتصادي والتنمية، أصبحت نقاطًا محورية للصراع. وقد أدى التنافس على السيطرة على المناطق الغنية بالموارد إلى تأجيج أعمال العنف والانقسام، مما أدى إلى تقويض إمكانات البلاد في تحقيق التنمية المستدامة. وكما لاحظ أليكس دي وال، “كان النفط والصراع متشابكين بشكل وثيق في السودان”. إن العائدات من الموارد، بدلا من استثمارها في رفاهية الشعب السوداني، غالبا ما تؤدي إلى تأجيج المزيد من الصراع، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب حتى على من هم في السلطة الهروب منها. كما يشكل التدهور البيئي المرتبط بهذا الاستغلال مخاطر طويلة المدى على الجميع، بما في ذلك المحرضين.

على الجبهة السياسية، يبدو المشهد السوداني أشبه برقعة الشطرنج، حيث يقوم اللاعبون الداخليون والخارجيون باتخاذ خطوات من شأنها أن تبقى البلاد في وضع الاختيار. كانت الإطاحة بعمر البشير في عام 2019 خطوة تم الاحتفال بها في جميع المجالات، لكن اللعبة لم تنته بعد. وكما لاحظ أليكس دي وال من مؤسسة السلام العالمي، فإن “التحول في السودان يشكل لغزاً معقداً، حيث قد يؤدي حل جزء منه إلى الخلط بين جزء آخر”. يتم لعب لعبة الشطرنج هذه على لوحة تؤثر كل حركة فيها على حياة الملايين، من شوارع الخرطوم المزدحمة إلى القرى النائية في دارفور وكردفان.

لا يمكن المبالغة في تقدير الأثر الاجتماعي للأزمات في السودان. إن نسيج المجتمع ممزق، والمجتمعات منقسمة، والأسر مبعثرة. وتعد أزمة النزوح دليلاً صارخًا على ذلك، حيث أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوجود أكثر من 2.5 مليون نازح داخليًا داخل السودان. لقد زرع هذا الاضطراب الاجتماعي بذور عدم الثقة واليأس، مما جعل الرحلة نحو المصالحة صعبة للغاية.

إن المشهد الاجتماعي في السودان، مثل صحاريه الشاسعة، يحمل ندوب الصراع والانقسام. لا يمكن المبالغة في تقدير الأثر الاجتماعي للأزمات في السودان. إن نسيج المجتمع ممزق، والمجتمعات منقسمة، والأسر مبعثرة. وتعد أزمة النزوح دليلاً صادقا على ذلك، وقد سلطت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الضوء على الواقع المرير بإحصائيات تتحدث عن الكثير: أكثر من 7 مليون نازح داخلياً داخل السودان نفسه. وهذا الرقم، رغم أنه مذهل، لا يكاد يلامس سطح الخلل في الحياة اليومية والتماسك الاجتماعي للمجتمعات.

وعلى حد تعبير فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن “النزوح هو أكثر من مجرد تحدي إنساني. فهو يعكس قضايا أعمق تتعلق بالسلام والأمن والتماسك الاجتماعي”. يسلط هذا البيان الضوء على التفاعل المعقد بين الهياكل الاجتماعية والسياقات السياسية والاقتصادية الأوسع التي توجد فيها. إن أزمة النزوح في السودان ليست مجرد نتيجة ثانوية للصراع، ولكنها انعكاس للمظالم وعدم المساواة التي طال أمدها والتي لم تتم معالجتها بعد.

فالمجتمعات التي كانت تزدهر ذات يوم على التعاون والدعم المتبادل وجدت نفسها مجزأة. إن النسيج الاجتماعي، الذي تم نسجه عبر الأجيال، يظهر الآن علامات البلى، حيث تمزق الأسر بسبب ضرورة البقاء. يسلط تقرير صادر عن مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) الضوء على الطبيعة الدورية للنزوح في السودان، بسبب الصراع المستمر وتفاقمها العوامل البيئية مثل الفيضانات والجفاف، مما يزيد من تفاقم محنة النازحين.

وتأثير ذلك على الأسر والمجتمعات عميق. وكما أشار ديفيد شيرر، الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، “إن النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا هو الضحية الأولى في أي صراع. وهو أيضًا آخر من يجب إصلاحه”. وفي السودان، فإن الرحلة نحو التعافي وإعادة بناء هذا النسيج محفوفة بالتحديات. لقد تآكلت الثقة، التي كانت في يوم من الأيام حجر الزاوية في العلاقات المجتمعية، تاركة في أعقابها شعوراً باليأس وخيبة الأمل.

ومع ذلك، وسط هذا المشهد الكئيب، هناك بصيص من المرونة والأمل. لقد أظهر الشعب السوداني، المعروف بتراثه الثقافي الغني وإحساسه العميق بالانتماء للمجتمع، قوة ملحوظة في مواجهة الشدائد. ورغم التحديات، فإن الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة وبناء السلام جارية. تعمل منظمات مثل مبادرة التنمية السودانية (سوديا)، وقلوبال ايد هاند، ومنظمات ومبادرات اخرى بلا كلل لتعزيز التماسك الاجتماعي وقدرة المجتمع على الصمود، مع التركيز على أهمية المبادرات الشعبية في عملية الشفاء.

لقد تم التلاعب بالتنوع والتعدد في السودان من قبل العديد من القادة السياسيين والعسكريين لتعزيز السلطة وزرع بذور الانقسام بين المجتمعات. ومن خلال تأجيج التوترات العرقية، سعى هؤلاء القادة إلى إنشاء قاعدة دعم ترتكز على سياسات الهوية بدلاً من الوحدة الوطنية. ومع ذلك، جاءت هذه الاستراتيجية بنتائج عكسية من خلال زعزعة استقرار مناطق بأكملها، مما أدى إلى نزوح جماعي وأزمات إنسانية لم تستثن أحدا، بما في ذلك أولئك الذين سعوا في البداية إلى الاستفادة من الانقسامات. إن التفتت الاجتماعي الناتج عن ذلك يجعل الحكم وبناء السلام أمراً صعباً على نحو متزايد، مما يؤدي إلى محاصرة المتلاعبين في بلد مليء بالاضطرابات والاختلال الوظيفي.

فإن النسيج الاجتماعي في السودان، على الرغم من تمزقه، و تفتقه وتهشمه، واصبح مثل القماش القديم البالي ( محل ما تمسكه سينشرط) مع ذلك ما زال الأمل قائم كلما ظن البعض أنه غير قابل للإصلاح. إن الطريق إلى المصالحة والوحدة وعر ومتعرج، ولكنه ليس مستعصيا على الحل. وكما يقول المثل السوداني “الصبر مفتاح الفرج”. ومع الدعم المستمر من المجتمع الدولي، والالتزام بمعالجة القضايا الأساسية، يستطيع السودان أن ينسج نسيجا اجتماعيا جديدا، أقوى وأكثر مرونة من أي وقت مضى.

لقد ساهم انتشار الأسلحة في السودان، والذي سهلته جهات فاعلة داخلية وخارجية، بشكل كبير في صناعة الأزمات. وقد أدى سهولة توفر الأسلحة إلى تصعيد الصراعات، وتحويل النزاعات التي كان من الممكن حلها سلميا إلى مواجهات مسلحة. إن تجارة الأسلحة لم تؤدي إلى إدامة العنف فحسب، بل جعلت مناطق بأكملها غير قابلة للحكم، مما أدى إلى خلق مناطق محظورة حتى بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتمتعون بالسلطة ذات يوم دون عقاب. وكما أفاد مسح الأسلحة الصغيرة، فإن انتشار الأسلحة في السودان يعقد الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار، مما يؤثر على الجميع عبر الطيف المجتمعي.

ولعل الزاوية الإنسانية هي الأكثر إيلاماً للقلب. ومع حاجة جزء كبير من السكان إلى المساعدة، فقد خلقت الأزمات حالة طوارئ دائمة. وجاء في تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يناير 2024 أن “الاحتياجات الإنسانية في السودان هي جرح غائر، حيث يحتاج ما يقرب من 25 مليون شخص في أنحاء السودان كافة إلى المساعدات الإنسانية “. يرسم هذا السيناريو صورة قاتمة لأمة جاثية على ركبتيها، إلا أن صمود الشعب السوداني يتألق، مما ينير الطريق إلى التعافي. ووفقا لأحدث التقارير فإن الأرقام الرئيسية من مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية OCHA تشير الى 24.8M الأشخاص المحتاجون إلى المساعدات في 2023، 14.7M الأشخاص المستهدفين بالمساعدات، 20236.1 نازحون منذ 15 أبريل، (منظمة الهجرة الدولية) 1.5M عبروا الحدود منذ 15 أبريل، مفوضية اللاجئين UNHCR.

والمفارقة في كل هذه الديناميكيات صارخة ومثيرة للسخرية حد الضحك. إن أولئك الذين سعوا إلى استغلال موارد السودان، والتلاعب بالانقسامات العرقية، والاستفادة من تجارة الأسلحة، وجدوا أن عدم الاستقرار الذي عززوه يقوض أمنهم وازدهارهم. إن الفوضى والصراع الناتجين عن هذه الممارسات يهددان الجميع، مما يخلق وضعاً لا يستطيع حتى المحرضون التنبؤ بالنتائج أو السيطرة عليه. وتسلط هذه الدورة المنهكة الضوء على قصر النظر في السعي لتحقيق المكاسب على حساب التماسك الوطني والاستقرار.

إذن، أين نذهب من هنا؟ إن الطريق إلى كسر دائرة الأزمات في السودان محفوف بالتحديات، ولكنه ليس مستحيلاً. فهو يتطلب مزيجا من الحكمة في الحكم القوي، والتنمية المستدامة، في ظل دولة مواطنة فدرالية. تحفظ للجميع حقوقهم العادلة، وتخلق تناغم و انسجام بين مكوناته مما يعزز اللحمة الوطنية. وفي المقام الأول من الأهمية، بناء السلام، وتعزيز المصالحات الوطنية، والسيطرة على خطاب الكراهية. إن دور المجتمع الدولي محوري، فهو يقدم الدعم من دون توجيه السفينة. وكما يقول المثل السوداني: “مع الصبر ليس هناك عقبة لا يمكن التغلب عليها”. إن روح الشعب السوداني، إلى جانب التدخلات الاستراتيجية، يمكن أن تمهد الطريق لسودان يزدهر وينمو ويتطور، وليس مجرد رقعة أرض بها بشر منسيين يحلمون فقط بالبقاء على قيد الحياة.

فإن “صناعة الأزمات” في السودان هي وحش معقد، تغذيه المكاسب الاقتصادية، والمناورات السياسية، والصراعات الاجتماعية. ومع ذلك، في وسط هذا الظلام، للذين ظلوا مسيطرين على جميع مفاصل القرار السياسي، والاقتصادي والعسكري، والأمني وفقا لتعزيز بناء اجتماعي مختل،. شكل حجر الزاوية في صناعة واستدامة هذه النزاعات والصراعات والحروب المتتالية. هناك ضوء. إن صمود الشعب السوداني ووحدته يمثلان بارقة أمل. ونحن إذ نقف على حافة التغيير، دعونا لا ننسى أن القلم أقوى من السيف. ومن خلال الحوار والتفاهم والعمل المتضافر، يستطيع السودان أن يطوي الصفحة نحو فصل جديد. مكان لا تحرق فيه الشمس فحسب، بل تغذي أيضًا أرضًا ناضجة بالإمكانات.

وفي الختام، فإن صناعة الأزمات في السودان تجسد القول المأثور “أنت تحصد ما زرعته”. لقد أدى استغلال الموارد، والتلاعب بالتوترات العرقية، وتجارة الأسلحة، إلى نتائج عكسية جماعية، مما يوضح العواقب الخطيرة المترتبة على تقويض نسيج المجتمع لتحقيق مكاسب شخصية أو جماعية. يتطلب كسر هذه الحلقة بذل جهود متضافرة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة وإصلاحات الحكم الحقيقية التي تعطي الأولوية لرفاهية جميع أفراد الشعب السوداني على مصالح القلة.

* مستشار استراتيجي للشؤون الإنسانية والتنموية
[email protected]

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

Leave A Reply

Your email address will not be published.