أوراق برس
كل ما يهمك

- الإعلانات -

- الإعلانات -

أزمة الاتصالات في السودان: شبكة من الاتهامات لطمس الحقائق وسط الظلام

- الإعلانات -

- الإعلانات -

المستشار اسماعيل هجانة

في قلب السودان، تصاعد الانقطاع المفاجئ لشبكات الاتصالات من مجرد إزعاج إلى محنة عميقة، تعكس الظلام في منتصف الليل، بل كارثة في لب الكوارث. إن هذا الوضع، الذي شمل مؤخراً مناطق جديدة لأول مرة، مثل الخرطوم ومناطق نهر النيل وبورتسودان وكسلا، ليس سوى لمحة عن أزمة طويلة الأمد ألقت بظلالها على الشعوب السودانية، منذ بداية الصراع في كل من كردفان ودارفور وأصبحت بسببها أقاليم وملايين من المواطنين حضورا دائما في سجل الغياب. فإن انقطاع شبكة الاتصالات في السودان، وهي مؤشر لعمق الأزمة التي تلقي بظلال العزلة على مساحاتها الشاسعة، متشابكة في شبكة من الاتهامات المتبادلة بين الفصائل الكبرى. وهذا يؤدي إلى تعقيد الوضع الإنساني المتردي بالفعل، وتحويل الخدمات الأساسية إلى بيادق في الحرب.

وبعيداً عن كونه حادثاً منعزلاً يقتصر على قلب المدينة، فقد اجتاح هذا التحدي المنتشر بشكل منهجي كل غرب السودان، وتحملت مناطق مثل دارفور وكردفان العبء الأكبر منذ فجر الحرب. أصبحت تعيش عزلة على على عزلتها. المواطن صار كسفينة فقدت بوصلتها في عرض البحر! إن تعطيل الاتصالات هو تعطيل شرايين الحياة الحيوية مما يؤثر بشكل عميق ومباشر على حياة الناس، ولا يقطع خطوط الاتصال فحسب، بل يقطع أيضًا خيوط البقاء لعدد لا يحصى من الأفراد الذين يعتمدون عليها للحصول على الخدمات الأساسية والمعلومات والاتصال بالعالم الأوسع بما في ذلك التحويلات المالية للوكالات التقليدية التي باتت تعمل بديلا للبنوك في غرب السودان.

سلط مراسل الحرة في بورتسودان الضوء على بيان هيئة تنظيم الاتصالات والبريد اتهمت فيه قوات الدعم السريع بقطع خدمات الاتصالات والإنترنت عن مناطق واسعة من البلاد. وبحسب تقارير وكالة السودان للأنباء، أوقفت قوات الدعم السريع العمليات في مراكز البيانات التابعة لشركتي الاتصالات الرائدتين “سوداني” و”إم تي إن”، وأجبرت فنيي اتصالات “زين” على وقف الخدمات في ولايتي النيل والبحر الأحمر، مع تهديدات بالإغلاق التام تلوح في الأفق.

وفي رده، نفى محمد المختار النور المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع دقلو، تلك الاتهامات في حوار مع موقع الحرة. وبرأ النور قوات الدعم السريع من مسؤولية انقطاع الخدمة، واتهم الجيش باستهداف المواقع التقنية المكونة لشبكة الاتصالات في البلاد بالتفجيرات، خاصة في منطقتي نيالا والخرطوم. ويدعي أن هذا أدى إلى شل الشبكات الرئيسية وانقطاع التيار الكهربائي اللاحق.

وأكد النور أن تواجد قوات الدعم السريع في المواقع الرئيسية منذ أكثر من تسعة أشهر دون انقطاع خدمات الاتصالات حتى الآن ينفي الاتهامات الموجهة إليها. ويشير إلى أنه لو كانت قوات الدعم السريع تنوي قطع الاتصالات والإنترنت، لكانت قد فعلت ذلك منذ بداية الصراع.

إن تبادل الاتهامات هذا لا يساعد كثيراً في تخفيف محنة الملايين الذين يعتمدون على هذه الشبكات من أجل البقاء. وهو يسلط الضوء على مدى تعقيد الأزمة، حيث تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الاستراتيجية العسكرية والاحتياجات الأساسية للمدنيين، مما يؤدي إلى تعميق الأثر الإنساني. ويشير هذا إلى التلاعب الاستراتيجي بالبنية التحتية للاتصالات، بهدف ممارسة السيطرة والتأثير على تدفق المعلومات، وبالتالي، على المشهد الاجتماعي والسياسي. و يظل الواقع على الأرض دون تغيير: فقد تُرك الملايين في الظلام، وانقطعت شرايين حياتهم.

في عصرنا هذا، حيث أصبح الاتصال مرادفًا للسلامة، وانقاذ الارواح، والوصول إلى المعلومات وخدمات الاتصالات يعد شريان الحياة، لا يمكن التقليل من تأثير هذه الانقطاعات. لقد وجدت المناطق الريفية في غرب السودان، التي أجبرها الصراع على الصمت والانقطاع، بصيصاً من الأمل من خلال بدائل مثل ستارلينك ( التي اعلنت حكومة بوتسودان انها ممنوعة وستعرض كل من وجدت معه الى المساءلة القانونية والعقوبات الرادعة)، التي تُظهر روح الصمود التي لا تقهر بين الشعب السوداني. ومع ذلك، فإن هذا التكيف يسلط الضوء أيضًا على الحاجة الماسة إلى قنوات اتصال مستقرة وموثوقة يمكنها الصمود في وجه عاصفة الاضطرابات.

وفي مواجهة هذه التحديات، لا يظهر انقطاع شبكة الاتصالات في السودان كفشل تكنولوجي فحسب، بل كدليل على تداعيات الصراع الأوسع. إن الظلام الناجم عن انقطاع الشبكة في السودان هو تأكيد لكبر حجم الازمة السودانية وتعقيداتها المركبة، كما أنه دعوة ملحة لوضع استراتيجية شاملة تستوعبها وتضع لها الحلول الناجعة. ومن الضروري أن ننظر إلى هذه الاضطرابات ليس فقط على أنها إخفاقات فنية، بل باعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية. ويجب أن يتجاوز البحث عن حلول مجرد استعادة الخدمات إلى ضمان أن تكون البنى التحتية كلها بما فيها الاتصالات مرنة وآمنة. وقادرة على دعم من هم في أمس الحاجة إليها. الاتصالات الآن ليس مجرد وسيلة للاتصال انها اداة منقذة للحياة!

مع استمرار الليل في اجتياح السودان مع خفوت شبكات الاتصالات، أصبحت الحاجة الملحة للضوء أكثر أهمية من أي وقت مضى. ويتعين على المجتمع العالمي، جنباً إلى جنب مع المبدعين وصناع الابتكارات و السياسات المحليين، أن يتحدوا لإلقاء الضوء على هذه المشكلة وتمهيد الطريق إلى حلول جذرية تنتقل بالمجتمع من مربعات المحنة، خطوة الى الأمام نحو حلول بديلة ومستدامة، وضمان عدم ترك أي شخص في أي مكان السودان، في الظلام.
وتتطلب الأزمة أكثر من مجرد حل للأعطال الفنية؛ فهو بمثابة دعوة قوية إلى وقف إطلاق النار في الحرب ووقف الحرب لتتوقف الاشتباكات على المعلومات، مع الاعتراف بأن الاتهامات المتبادلة لا تنقذ الأرواح، بل إنها تؤدي فقط إلى إطالة ظلام الليل وتعميق اليأس. وفي ظل هذه الخلفية، تتزايد الأصوات المطالبة بشبكة اتصالات مستقرة وآمنة ويمكن الوصول إليها – وتحث جميع الأطراف على إعطاء الأولوية لاستعادة هذه الخدمة الأساسية بعيدًا عن صراع الصراع.
المستشار اسماعيل هجانة
المستشار الاستراتيجي للشؤون الإنسانية والتنموية
5 ابريل 2024
[email protected]

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

Leave A Reply

Your email address will not be published.